دروس القيادة في الثلج


في قمة جبل فريا في لبنان و على ارتفاع ١٨٠٠ متر عن سطح البحر ذهبنا مع السائق عصام الى شركة Val d’isere و كان في استقبالنا الاستاذ محمد حيث اخترنا الملابس المناسبة لهذه المغامرة الفريدة من نوعها حيث سنقوم بركوب الدراجات المخصصة للثلج و كان قائدنا في هذه الرحلة الاستاذ مصطفى من سوريا و برفقتنا الاستاذ روني مزرعاني و الأستاذة ديانا و ابني مع زوجتي و أمها بالاضافة الى كاتب هذه المقالة وكانت موافقتي على مضض فانا لا أهوى المغامرة …
بدأت الرحلة بتقدم القائد وقد أعجبني تحرك القائد من الامام الى الخلف للتأكد من سلامة الفريق و في بعض الأوقات يتقدم و يقف لكي ينتظرنا حتى نصل و يكتمل العدد ثم يبدأ التحرك من جديد …
كان المنظر أخاذ فاللون الابيض قد غزا المكان فلا تجد شيء الا و اللون الابيض يغلب عليه بالأشجار و الطرقات و البيوت و بعد برهة اختفى كل شيء فلم اعد ارى الا البياض من كل جانب فهالني عظم المنظر وزاد شعوري بالخوف خصوصا عند نزولنا من التلال و الصعود مرة اخرى …
كان القائد يحرص على ان نتبع اثره و كان يذهب يمنة و يسره و لم أرى أي فائده من هذا التعرج الغير مبرر فاخترت ان اصنع طريقي لاني كنت دائما اقرأ في كتب القيادة بان لا تسير في الطرق المعبدة بل اصنع طريقك الخاص و كنت اظن بانه عامل بسيط ولانني اعرف ان الطريق المستقيم هو اقرب خط بين نقطتين و كنت استمتع باختصار الطريق حتى تفاجأت …
انقلبت الدراجة على الجهة اليسرى …
و لعدة ثوان لم اشعر بنفسي و بعدها تحسست قدمي هل هي موجودة ام قطعت فالدراجة فوقها مباشرة و أنا من شدة البرد فقدت الشعور بأعضائي …
ولكني شعرت بها ولله الحمد و العجيب بالأمر انني لم اشعر باي الم ولم اشعر بان الدراجة قد انقلبت بنا و كأننا سقطنا على وسادة هشه من الريش الناعم و كان ارتفاع طبقة الثلج الهشة قرابة ٤٠-٥٠ سم فوجدت صعوبة في القيام و بعد نهوضي ساعدت عمتي في النهوض و اذا بالقائد يجري حتى يتأكد من سلامتنا و حاول بعض المحاولات و بعد وقت وجهد اخرج الدراجة و الى مكان افضل و كانت المسافة بضعة أمتار وكان يجب علينا السير إليها لكن الجهد كان اكبر بكثير مما توقعت فكل خطوة تحتاج الى مجهود كبير فعرفت ان وضع الخطط امر سهل لكن تطبيقها هو ما يحتاج الى جهد وقد يكون هذا الجهد فوق قدرتنا و طاقتنا او هكذا نظن …
وعند وصولي نظرت الى الخلف و اذا عمتي في منتصف الطريق و أنا منهك القوى فلم استطيع الرجوع و مساعدتها بل بقيت مكاني انتظرها و كانت تخطو خطوة و تستريح و رغم تعبها لكنها لم تطلب مني المساعدة لعلمها بعدم مقدرتي و شدة تعبي هكذا قالت لي بعد الرحلة و عندما اقتربت مني مددت لها يدي و ساعدتها على الركوب ووقتها كنا قبيل المغرب فقرر القائد الرجوع ووقتها لم نكن قطعنا نصف مسافة الذهاب بعد و عندما بدأت بالقيادة كانت يدي ترتجف اهو من الخوف او من التعب لا ادري لكني كنت اشعر بهما في داخلي …
و سرنا في طريق العودة وكنت قد خففت من السرعة خوفا من حادث اخر و في الطريق و بعد بضعة دقائق توقفت الدراجة ولم تستطع إكمال الطريق فإذا بنا قد دخلنا في في تله من الثلج الناعم فإذا بالثلج يصل الي منتصف الدراجة و عندما شاهدت الطريق وجدت بأنني تقريبا اتبعت طريق القائد الا في هذه اللحظة حيث كان الظلام قد داهمنا و كنت لا استطيع الرؤية بوضوح فعرفت اهمية الرؤية بالنسبة لقادة الشركات و اهمية التأكد من ان جميع من في الشركة يجب ان تكون لديه نفس الرؤية و التأكد من انهم يسيرون في نفس الطريق لكي يتفادوا التأخير و الحوادث و الأزمات …
و اثناء محاولات اخراج الدراجة اذا بالأستاذ روني يهرع الي مساعدتنا بعد و صول القائد مصطفى بدقائق و قام بالمساعدة من رفع و دفع و لكن لم تتحرك الدراجة فقال لنا القائد ليس لدينا خيار سوى قلب المركبة و دفن جهه ثم اعادة الكرة من الجهه الاخرى و لكي نقوم بذلك علينا بالحفر فقال لنا الاستاذ روني ان يده متجمده و ان قفازه من الصوف ولا يستطيع مساعدتنا بالحفر و هذه نقطة مهمة فنحن يجب ان نساعد ولكن يجب ان لا تكون فيها ضرر على انفسنا و ان نكون مستعدين للمساعده في جانب واحد فقط و قام ينتظر مرحلة الحفر حتى انتهت ثم ساعدنا في قلب الدراجة و بعد ذلك نجح القائد في اخراج الدراجة مرة اخرى من بين الثلوج …
و قمنا بالسير قليلا واذا بجبل ثلجي عملاق و لان الظلام قد حل فقط صبغ هذا الجبل باللون الاسود فشعرنا بالتردد فقام المدرب بأخذ دراجته الى اعلى ذلك الجبل و تبعه الاستاذ روني ثم نزل مهرولا حتى ياخذ الدراجة الثالثة و يصعد فيها فقلت له بعد ان قمت بحساباتي ان هناك شخص يجب ان يصعد هذا الجبل المهيب فتذكرت قول الشاعر و من لا يهوى صعود الجبال يعش ابد الدهر بين الحفر فقمت بعزم و حزم اخطوى خطواتي الاولى وانا اردد هذا الشعر في نفسي حتى وصلت الى مكان وصل فيه ارتفاع الثلج الهش الى المتر فكانت كل خطوة كانها أميال من الجري الشاق فخارت قواى و سقطت على ظهري و أحسست أني لا أقوى على الاستمرار او هكذا خيل إلي وانا مستلقي على ظهري و رجلي في الثلج غارقة تذكرت كتاب السقوط الى الامام للكاتب جون ماكسويل فقلت لأجعل سقوطي الى الامام حتى اذا قمت اكون قد وفرة خطوة و بعد ان اصبح وجهي على الثلج أحسست بطاقة و أنا اعلم ان رجلي لا تقوى على الحراك فقلت استخدم يدي فبدأت بالزحف على الجليد و بعد دقائق سمعت صوت من داخلي يقول فقط خطوة واحد فكنت اركز كل طاقتي على هذه الخطوة و بعد الانتهاء منها و الشعور بالإجهاد اسقط على وجهه و اكرر الزحف ثم اركز على خطوه واحدة فقط حتي رأيت القائد يجرى نحوي للمساعدة فطلب مني ان أضع ثقلي عليه فرفضت …
لماذا نرفض يد المساعدة خصوصا ممن يقدرون على مساعدتنا و بعد إصراره قبلت و اكتشفت كم كنت مجهدا ( افتقر الى اللياقة البدنية ) و بعد قليل واذا بصوت الاستاذ روني المساعدة قادمة فوضعت يدي الاخرى عليه و سرنا في خطوات سريعة نحو الدراجات و بدنا بالرحلة النهائية و كانت العاصفة الثلجية قد اشتدت و انعدمت الرؤية و لم أشأ ان احدث المزيد من الحوادث فقمت برفع النظارات الثلجية و قاومت الثلج الذي يرتطم في وجهي في مقابل تأكدي من السير على خطى الركب و شاهدنا الأضواء و بدأنا السير على الطريق المعبد فدبت فيني الشجاعة ( متأخرة قليلا ) و صرت أسير بثقة اكبر حتى وصلنا بالسلامة …

و اهم ما تعلمته في هذه الرحلة هو:
١- ان على القائد ان يعرف مستوى اتباعه .
٢- ان يعرف مدى ثقتهم بقيادته او ان رحلته في قيادة شركته لن تصل الى منتصف الطريق.
٣- ان القائد لن يجني بحسب قدراته بل وفقاً لقدرة اضعف شخص في فريقه (كاتب هذا المقال في هذه الرحلة)…
٤- ان التخطيط و التنظير أسهل بكثير من التطبيق و تحويل الكلام الى أفعال.
٥- سعة صدر القائد و تحمل أخطاء تابعيه بابتسامه.
٦- ان يكون القائد مميزاً و متميزًا فيما يقوم به.
٧- في الأزمات تكون الخطوة الواحدة إلى الأمام هي كل ما تقدر عليه و هي كل ما يجب عليك فعله.
٨- في بعض الاحيان نحتاج الى الرجوع للخلف حتى نستطيع التقدم للأمام.
٩- ساعد غيرك و شاركهم ولكن لا يكون في ذلك ضرر عليك.
١٠- في أوقات الرخاء علينا ان نتقوى حتى اذا أتت المصاعب نكون اقدر على اجتيازها.
١١- حتى افضل القادة يحاولون اكثر من مرة و يجربون اكثر من طريقة للخروج من الأزمة.
١٢- إقبل مساعدة من يعرض عليك المساعدة خصوصاً اذا كان من اهل الاختصاص و الخبرة.
١٣- دور القائد اكبر من مجرد شخص يسير في المقدمة و يقوم بالتنظير.
١٤- أسهل شيء هو إلقاء اللوم و العتب وقت حدوث الأزمة لكن هذا الفعل لن يخرجك منها.

About سالم العبدالجادر

أؤمن بأن عملي هذا يهدف الى رفع الإنتاجية في شعوبنا العربية … و سيكون بالعمل مع مئة تاجر وإعادة صناعة شركاتهم حتى تتحول الى شركات مليونيرية تدار بيوم او يومين بالأسبوع بشرط ان يتبرعوا بعشرة بالمئة من أرباحهم لأي جهة خيرية … عن طريق التوجيه نقوم بتنمية قادة الشركة و تطويرهم حتى يستطيعوا عمل ذلك … لكي تعرف المزيد يشرفني زيارتك للموقع التالى http://kw.linkedin.com/in/salemaljader من وجهة نظرى لا يمكن لاي شركة ان تحقق خسارة ... و في حال وجود الخسارة يمكن اعادت توجيهها ... خلال السنوات الماضية قمت بالعمل مع العديد من الشركات وتم التطوير والإستفادة وزيادة الربحية من دون إضافة لرأس المال او أي تغيير جذري في طاقم العمل ... إن أردت أن تجرب ... عليك القيام بأمور كثير لم تكن معتاد عليها من قبل ... يقول اينشتاين "اذا غيرنا كيف ننظر إلى الأمور سوف تتغير نتائجنا "
هذا المنشور نشر في تطوير الاعمال. حفظ الرابط الثابت.

2 Responses to دروس القيادة في الثلج

  1. في كل موقف نرى الموضوع من عدة زوايا هذه كانت زاويتي وهنا اترككم مع زوجتي وكيف شاهدت هذه المغامرة تحت عنوان “حينها تذكرت … ”
    http://salmutwa.wordpress.com

  2. Osama Al Saleh كتب:

    سلامات وماتشوفون شر

أضف تعليق